بقلم الدكتور خالد العطي
السرطان الحميد أو الورم الحميد
مقدمة
في هذا الموضوع سأحدثكم عن مرض السرطان كي نستطيع التفرقة بين ما هو حقيقي وما هو وهمي بشأن هذا المرض. لفهم الموضوع علينا أولا أن نشرح بعض المفاهيم العامة عن الخلايا وأنسجة الجسم كونها هي مسرح أحداث الأمراض وهدف العلاج. سيكون الشرح سريع وتبسيط كبير لما يحدث فعلا في داخل الخلايا والجسد وليس إسهابا في معلومات ومصطلحات مُعقده.
!أولا يجب أن نفهم سلوك الخلايا الطبيعية
تتكون الخلية من جسم محاط بجدار خلوي وفي داخلها يتوزع سائل الخلية الذي يحتوي على أجهزتها التي تمكنها من الحياة، وفي هذا السائل توجد النواة المُحاطه ايضاً بجدار خاص بها يحميها من تقلبات الوسط. في نواة الخلية توجد سلاسل الحامل الوراثي أو ما نسميه الحامض النووي وهو المسؤول عن توريث جميع الصفات التي يحصل عليها المخلوق من والديه. ومعنى كلمة صفات ليس فقط الشكل الخارجي واللون والحجم وما الى ذلك بل يتعدى هذا إلى صفات وسِمات أخرى سنفهمها في سياق هذا الموضوع.
طبعا كل ما يرد ذكره او شرحه هو واقع يستطيع اي مُتخصص ان يراه بعينيه تحت المجهر أو من خلال المركبات الكيميائية التي تُظهِر عناصر لا يمكن للمجهر مشاهدتها. وانا أثناء دراستي للطب اضطلعت ورأيت وشاهدت شخصيا هذه المكونات والعمليات.
وظائف الخلايا بالجسم
الخلايا الحية نفسها متنوعه ومُتعدده تبعاً للوظائف المنوطة بها وللمكان الذي تشغُله. والخلايا عبارة عن لبنات تُنتج بتجمعها وترابطها نسيج له وظيفته، فالجلد مثلا عدة أنواع وهو يغطي جميع الأسطح الخارجية للأعضاء فمنه ما يغطي الجسد من الخارج ليحميه ويؤمن له التواصل المرن مع المحيط ومنه ما قد تحور على شكل شعر أو أظافر تغطي ايضاً الجسد من الخارج ومنه ما يُشكل بطانة تُغطي الأعضاء الداخلية كالرئة والمعدة وغيرها. والعظام مسؤولة عن تكوين هيكل يحمل ثقل الجسم ويعطيه الصلابة الكافية، والأعصاب نسيج من خلايا عصبية لها وظائف الاحساس او الحركه او الذاكرة وهكذا.
بتنوع النسيج وتنوع الخلايا الأساسية التي تدخل في بنائه يتنوع سلوك الخلايا ذاتها وطبيعة حياتها. فهناك خلايا تتجدد باستمرار كخلايا الجلد والدم والكبد وهناك خلايا تُخلق وتبقى منذ الولادة حتى الممات هي ذاتها ولكنها فقط تنمو وتتعلم وتتطور كالخلايا العصبية.
وظيفة الحمض النووي
من بديع التكوين أن الحامض النووي الوراثي فوق حمله للصفات الخارجية يحمل ايضا معلومات تهُم الخلية ذاتها حول عيشها وانقسامها وواجبات سلوكها وضرورة تصرفها عند موتها وعلاقتها بجاراتها من باقي الخلايا.
تحمل كل خلية في حمضها النووي ساعة توقيت بيولوجي دقيقة ومُذهله أو ما يُمكن تسميته بـ(عداد بيولوجي)، وهذه الساعه لها وظيفة تحديد طريقة تغذية الخلية واحتساب كمية الغذاء والطاقة اللازمة لها وإيقافها عند الاستفاضة في استهلاك الغذاء وكذلك في هذه الساعه (نظام تحذير وتوجيه) يخبر الخلية متى ستموت ويعطي إشارات لجاراتها بأن ساعتها قد أزُفت كي تحضر جاراتها نفسها للمراسيم الجنائزية الخاصة بالخلايا إذ تقوم الجارات بعد موت الخلية بسحب رفاتها بكل احتراف ولباقه بحيث لا يشعر الجسم ابدا بهذا الخسارة ولا تختل عملياته الحيوية ولا تتأثر من خلال تعفُن أو اهتراء في المكان المتروك وتُفسح المجال لبناء خلايا جديدة مكان الفقيدة وتؤخذ الرفات الى مقابر خاصة في داخل الخلايا يتم التخلص منها رويدا رويدا عن طريق الدم والكلى وغيرها. كذلك تقوم ساعة الخلية البيولوجية بعمليات انتحار خلوي مُبرمج حين تكتشف أن خللاً قد وقع للخلية وأنها على وشك أن تُبدل سلوكها أو يصيب حامضها النووي خلل يغير من وظيفته، عندها تتخذ الخلية فورا قرار بتفجير نفسها وتعطي اشارات لزميلاتها كي يتهيأن لسحبها بعد الانتحار الخلوي وطحن رفاتها بحيث لا تشكل الرفات خطرا على ما تبقى. من بدائع هذا النظام البيولوجي أيضا تحديد الحاجة لانقسام الخلية وتحديد عدد الخلايا اللازمة للجسم وللنسيج وللمكان بعينه، فهو يزيد من سرعة الانقسامات بهدف بناء عناصر جديدة (في حالة الجروح أو النزيف مثلاً) ويُخفف من سرعة وعدد الانقسامات في حال انتفاء الحاجة لذلك.
كُلما كانت قدرة الخلايا على تجديد نفسها (كالدم والجلد) اكبر كلما كانت ميكانيكيات ساعة التوقيت البيولوجي افضل واكثر دقة نتيجة الحاجة للإستخدام المُستمر والمُتكرر. فالاعصاب التي قُدِّر لها ان تعيش لعشرات السنين تفتقد لمثل دقة ساعات الجلد الذي يضطر لتغيير وتنظيف ذاته على مدار الساعه، وتبعاً لهذا المنطق تنخفض قدرة خلايا الاعصاب على التصرف في رُفاة جاراتها الاموات وتضطر لابتلاع هذا الرفات وخزنها داخل نفسها وهو ما يولد مع مرور الزمن مشاكل مُستعصيه للاجهزه العصبيه.
هُنا يأتي السؤال ما هو السرطان؟
وما هو سلوك الخلية السرطانية؟
نتيجةً لتغيير يحصل للمادة الوراثية (الحمض النووي) لخلية ما بحيث يحدث خلل في سلوك هذه الخلية ولا تستطيع الخلية نتيجة هذا الخلل التصرف كخلية طبيعيه، وتفقد القدرة على كبح شهيتها باستخدام المواد الغذائيه للجسم واستهلاك طاقة بمعدلات فائقة فوق حاجتها ويتعثر عمل الساعة البيولوجية بحيث لا تعود هناك مقدرة على استخدام برمجية الموت السـَلِـس ولا تتمكن من الإنتحار بعد حدوث الخلل، وتتحول هذه الخلية إلى خلية عدوانية تستهلك مقادير من الطاقة والغذاء تزيد بالاف المرات عن الحدود الطبيعية وتمنع شراهتها الخلايا السليمة من الحصول على قسطها من الطاقة والغذاء، و نتيجة التحول الذي ينتج تصبح الخلية خارج السيطرة ويطلق بعضها سموم تؤثر في الجسم وفي باقي الأنسجة وهُنا ندعوها بالخلية السرطانية.
هذا يعني ان مرض السرطان لا يأتي من خارج الجسم وإنما هو تغيير لسلوك خلايا الجسم ذاته بغض النظر إذا ما كان سبب التغير خارجي أو داخلي.
أسباب تغير الحمض النووي للخلية
قد يحصل الخلل في الحمض النووي المؤدي للسرطان من خلال برمجية ايضا مخزونه سلفا فيه منذ القدم ولكنها تنتظر الامر ببدء العمل، وقد يحدث الخلل نتيجة فايروس أو جراثيم تقتحم نواة الخلية وتعبث في بُنية العنصر الوراثي وتحقق خللا يُحَوِل الخلية الى خليه سرطانيه، ويمكن أيضا للإشعاعات الذرية أو المواد الكيميائيه والسموم ومن ضمنها بعض الادويه أن تفعل ايضا هذا الفعل. كما يُشكل التدخين سبباً اساسياً في ضرب الحامض النووي للخلايا من خلال تسرب القطران والنيكوتين إلى داخل الأنوية من جهة ومن خلال التكدس فوق خلايا الرئه ومنعها من إستقبال الأكسجين أو التخلص من نفاياتها. بكل الأحوال النتيجة هي خلل في العامل الوراثي وتحول سلوكي للخلية. بعد حدوث العطل الوراثي تبدأ الخلايا بالإنقسام غير المحسوب وغير المُسيطر مُعطية أجيالا بالملايين من نفس صنفها والحامل لنفس الخلل وهنا يبدأ النسيج السرطاني بزيادة حجمه (ينهار مبدأ السيطرة على الانقسام والتكاثر في حالة الحاجة والضرورة ويصبح عشوائيا).
السرطان الحميد (الورم الحميد)
قد يحصل هذا الخلل الوراثي في خلية ما وتبدأ هذه الخلية بالانقسام والتكاثر ولكن في تلك الأثناء يكتشف الجسم هذه العملية ويبدأ هجوما مُضادا بحيث يُحيط هذا النسيج بلفافة وغلاف متين تمنع انتشاره لباقي الجسم وهُنا يحدث تكتُل أو (ورَم) ندعوه ورماً حميدأ كونه يقف عند حدود معينة ويكون ضرره من خلال نموه وشغله لمكان ضيق بحيث يضغط على ما تبقى من أعضاء مُسببا مشاكل ما، ولكن في غالب الأحيان يُمكن حلها بطريق جراحي من خلال استئصاله وتنتهي القضية. وإذا كان هذا الورم الحميد في الدماغ فيكون ايضاً مُتعِـبا نتيجة ضيق الجمجمة وعدم وجود مكان لجسم غير مرغوب فيه كما أن العمليات في الدماغ دائما ما تكون محفوفة بالمصاعب والمخاطر.
متى يصنف السرطان بالخبيث
اما اذا كان التحول السرطاني سريع أو أن الخلايا التي تحولت لم تُشكل ورما بل انتقلت من مكان لآخر في الجسم وتكون سرعة تنقلها أعلى من قدرة الجسم على اكتشافها فنكون عندئذ أمام سرطان خبيث ينتشر في الجسم مع تيار الدم أو من خلال إفراز مواد كيميائية تثقُب الأنسجة المجاورة وينتشر من خلال هذه الثقوب إلى مكان آخر وهكذا بحيث يفتُك في كل الأنسجة التي يدخل بها وينتشر إليها. وهنا يضطر الأطباء إلى اللجوء للعلاج بالأشعة والعلاج الكيميائي لقتل الخلايا السرطانية مع علم الاطباء بان الثمن سيكون قتل الكثير من الخلايا السليمة إلى جانب السرطانية.
سواء كان السرطان حميدا أو خبيثا فإن هناك إشارات وأدله كيميائيه تحملها الخلايا السرطانية على سطحها، ومن خلال تحديدنا لهذه الإشارات نستطيع التنبؤ بنسبة خطر النوع المعني.
هل مرض السرطان وهم؟
من أين برز لدى الناس تساؤل او اشاعة ان السرطان عبارة عن وهم ولا وجود لمرضٍ من هذا النوع وما إلى ذلك مما تتناقله الناس في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الصفراء وجدالات العامه؟
مع تكراري بأن السرطان مرض حقيقي و موجود ومعروف منذ الاف السنين وقد تم تحديد ماهيته في عصرنا هذا، إلا أن هناك أزمة أخلاق وضمير طبي أدت لزرع هذه القناعات في أذهان الناس. أود أن أوضح بأن التغييرات التي تَحصُل للخلايا ليس شرطاُ أن تكون سرطانية، فهناك تغيرات تحدث وتعطي للخلايا شكلا مُريبا وتعمل تغييرا في هيكليتها ولكنها لا تكون تغييرات سرطانية، وهنا يستغل بعض افّـاقي الطب وتجاره والدُخلاء بلا شرفٍ أو ضمير عليه، يستغل هؤلاء ضعف الناس وجهلهم وحاجتهم فيعلنوا أن الأمر مُتعلق بمرض السرطان، لأن في ذلك مكاسب مادية لشركات بيع العلاجات الكيميائية وللمستشفيات الخاصة أو للطبيب نفسه، بمعنى انه لا يوجد أصلا لدى المريض سرطان ولكنه يُخضع لهذا العلاج لأجل الكسب المادي (واحيانا لضعف الفحوصات أو تردي المستوى المعرفي لدى المُعالِج.
ختاماً أؤكد لجميع من يقرأ هذا الموضوع بأن مرض السرطان مرض موجود ومُثبت وليس هُناك آية خديعة في الأمر ويبقى ان ادعوا لكم بالصحه والعافيه وبألا يطالكم مكروه واذا ما قدر الله وطال احد منكم فإني أدعوا ألا تطاله يد التجار في الطب والذين يمدون أيديهم لجيوب المحتاجين من خلال اللباس الابيض.
نبذة عن الكاتب د. خالد العطي
أخصائي الأمراض النفسية والعلاج النفسي•
كبير أطباء قسم الإدمان ومدير العيادات الخارجية سابقاً في مستشفى الصحة النفسية التابع لحكومة كانتون سولوتورن- سويسرا•
كبير أطباء قسم الإدمان ومدير العيادات الخارجية سابقاً في مستشفى الصحة النفسية LVR في ولاية نورد راين – ألمانيا•
مستشار الطب النفسي ومشاكل الإدمان سابقا لدى مؤسسة مستشفياتAMEOS Gruppe•
رئيس قسم الإدمان لدى مؤسسة السويسريه الطبية للعلاج النفسيLes Toises•
عضو نقابة الأطباء البلغاريه- دوبريج•
عضو نقابة الأطباء الألمانية لولاية بادين فيورتيمبيرغ – فرايبورغ•
عضو نقابة الأطباء السويسريين -بيرن•